أخبار

عبد الفتاح الشعشاعي.. صوت القرآن الذي خلدته المآذن والإذاعات

وُلد الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي في 21 مارس 1890 بقرية شعشاع التابعة لمركز أشمون في محافظة المنوفية.
نشأ في أسرة بسيطة لكنها متدينة، وكان والده يعمل محفظاً للقرآن الكريم في قريته، ما وفر للشعشاعي بيئة مثالية لينهل من علوم القرآن منذ نعومة أظافره.

لم يقتصر والد الشيخ على تحفيظه القرآن فقط، بل حرص على تعليمه قواعد التجويد والقراءات المختلفة منذ صغره.

أظهر الطفل موهبة استثنائية في الحفظ والتجويد، وتميز بصوت ندي قوي جذب انتباه المحيطين به، ما جعل والده يقرر إرساله لتلقي العلم في مدينة طنطا، التي كانت مركزاً علمياً ودينياً بارزاً في تلك الفترة.

طنطا.. البداية الحقيقية في مسيرة العلم

في طنطا، التحق عبد الفتاح الشعشاعي بمجالس العلم، حيث درس علوم القراءات على أيدي كبار المشايخ المتخصصين سرعان ما لفت الأنظار إلى موهبته المتفردة، إذ كان يتمتع بقدرة مدهشة على تنغيم الآيات وإبراز المعاني بطريقة تلامس القلوب.

لم تقتصر دراسته على القراءات فقط، بل شملت دراسة أصول التفسير واللغة العربية، مما ساهم في صقل شخصيته كقارئ متميز نصحه مشايخه بعد فترة من الدراسة بالتوجه إلى القاهرة، حيث الأزهر الشريف، لاستكمال تعليمه هناك والالتحاق بكبار علماء القراءات.

القاهرة.. بداية التألق والشهرة

في عام 1914، انتقل الشعشاعي إلى القاهرة، المدينة التي كانت تُعد آنذاك قلب الثقافة والفكر الإسلامي.
التحق بالأزهر الشريف وتلقى علومه على يد أبرز علماء عصره، ومن بينهم الشيخ بيومي والشيخ علي سبيع، اللذان كان لهما دور بارز في تعليمه أصول القراءات العشر.

اختار الشيخ الإقامة في حي الدرب الأحمر، وهو من أشهر الأحياء الشعبية التي احتضنت العديد من الشخصيات البارزة في ذلك الزمن.
لم يمضِ وقت طويل حتى بدأ صيته يذيع في أوساط الناس، بفضل صوته الفريد وأسلوبه المتقن في التلاوة.

صوت خالد عبر الإذاعة المصرية

كان عام 1934 نقطة تحول فارقة في حياة الشيخ الشعشاعي، حيث اختير ليكون ثاني قارئ يُبث صوته عبر أثير الإذاعة المصرية بعد الشيخ محمد رفعت.

تلاوة الشيخ عبر الإذاعة جعلت صوته يصل إلى ملايين المستمعين داخل مصر وخارجها، ليصبح أحد أبرز أعلام التلاوة في العالم الإسلامي.

إضافة إلى ذلك، عُيّن الشيخ قارئاً لمسجد السيدة نفيسة، ثم مسجد السيدة زينب في عام 1939، وهما من أبرز المساجد التي شهدت تلاواته المميزة التي ما زالت تُذكر حتى اليوم.

الريادة في الحرمين الشريفين

في عام 1948، دخل الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي التاريخ كأول قارئ للقرآن الكريم يُسمع صوته عبر مكبرات الصوت في المسجد الحرام بمكة المكرمة والمسجد النبوي بالمدينة المنورة.

كانت تلك المناسبة في موسم الحج، عندما تلا القرآن أمام عشرات الآلاف من الحجاج أثناء وقفة عرفات.
كان لهذا الحدث أثر كبير في انتشار صيته بشكل أوسع في العالم الإسلامي، حيث أصبح صوت الشعشاعي رمزاً للخشوع والرهبة.

أسلوبه في التلاوة.. مدرسة متفردة

تميز الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي بأسلوبه الخاص في التلاوة، الذي يجمع بين القوة في الأداء والجمال في الصوت.
لم يكن مقلداً لأي من القراء الذين سبقوه، بل كان صاحب مدرسة خاصة تتسم بالخشوع والإحساس العميق بمعاني الآيات.

كان الشعشاعي يعتمد على استخدام المقامات الموسيقية المختلفة، مثل “الصبا” و”البيات”، التي أضفت على تلاوته طابعاً روحانياً فريداً.
إضافة إلى ذلك، كان يهتم بإبراز جماليات اللغة العربية في التلاوة، ما جعله محط إعجاب كل من استمع إليه.

الحضور العربي والدولي

لم تقتصر شهرة الشعشاعي على مصر، بل امتدت إلى الدول العربية والإسلامية دُعي إلى العديد من المناسبات الدينية الكبرى، حيث أبهرت تلاوته الجمهور وأكدت مكانته كأحد أعلام التلاوة في القرن العشرين.

زار الشيخ العديد من الدول العربية، مثل السعودية وسوريا والعراق ولبنان، وأدى تلاوات أمام ملوك وأمراء وشعوب تلك البلدان، ليصبح سفيراً حقيقياً للقرآن الكريم.

الوفاة.. وداع صوت لا يُنسى

في عام 1962، رحل الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي عن عمر ناهز 72 عاماً، تاركاً خلفه إرثاً غنياً من التلاوات التي ما زالت حاضرة في أذهان الملايين حتى اليوم.

كان لوفاته وقع كبير في العالم الإسلامي، لكن تراثه الذي سجله بصوته النقي أصبح منارة للأجيال الجديدة من القراء الذين يسعون للسير على خطاه.

إرث خالد

ترك الشعشاعي بصمة لا تُمحى في عالم التلاوة، فهو لم يكن مجرد قارئ عادي، بل كان مدرسة فنية وروحية قائمة بذاتها.
ما زالت تسجيلاته تُعد مرجعاً لكل من يرغب في تعلم التلاوة وإتقانها، ليبقى اسمه خالداً في ذاكرة الأمة الإسلامية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى